اعلان


كان محمد أحمد صالح الإنسان الوحيد الذي رأيته حين دخلنا قرية شبه فارغة شمال العراق، تم تحريرها مؤخرا من  قبضة “داعش”. أول ما قام به حين اقترب من سيارتنا هو طلب ولاعة من أحد زملائي. ساعتها لاحظت علبة السجائر على جيب قميصه.

نساء يدخن في الشارع بعد اخلاء قراهن من تنظيم داعش
لم يمض إلا أسبوع عن طرد التنظيم الإرهابي من قريته، حتى ارتأى السيد صالح أن يرسل رسالة بصرية لكل أهل القرية. رسالة توجد في علبة السجائر التي تطل على العالم من جيب قميصه. كان يريد أن يعرف من في القرية أنه مدخن، وهو ما كان يعد جريمة، كانت لأجل قريب تعرضه ل20 جلدة.

السيد صالح راعي أبقار يعيش في  قرية بادوش بضاحية الموصل. انطلق في كلام مسترسل عن “داعش”، التي فرضت على الأهالي رؤية متطرفة للإسلام خلال ما يقرب من ثلاث سنوات احتلت فيها المنطقة. ضمن أسباب استيائه من التنظيم، تجريم الأخير لأحد أفضل مصادر متعته اليومية: التدخين.
لست معجبا بالتدخين وأتحاشى الحانات لأني لا أتحمل رائحة الدخان، لكن كان واضحا أن التدخين يعني الحرية بالنسبة لهذا الرجل.
وصف السيد الصالح الصعوبات والمشاق الكبيرة التي عاناها في ظل “داعش” للعثور على سيجارة ، والمخاوف التي لازمته جراء خرقه لقوانين التنظيم. “أكتمار كلاسيك” كان النوع الوحيد الذي يُهرب إلى المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم. ثمن العلبة كان يصل إلى 750 دينار، حوالي 63 سنتا بالدولار. تحت حكم التنظيم، ارتفع ثمن علبة السجائر إلى 20 ألف دينار، ما يعادل 17 دولار. ويقول صالح إنه لم يمكن بإمكانه تأمين 17 دولار. لذا تعاون هو وأصدقاء آخرون لشراء علبة واحدة بها 20 سيجارة. وشرح لي كيف كان يقسم كل سيجارة لثلاثة أجزاء حتى يجعلها تدوم لمدة أطول. كان يذهب رفقة أصدقائه إلى الحقول يرعون البقر وهناك يدخنون مغطين رؤوسهم لتخفيض الدخان المنبعث.
ثم يغسلون أسنانهم ويرشون العطر على أفواههم قبل العودة. اليوم الذي تم فيه طرد “داعش”، دخن صالح أربع علب سجائر مرة واحدة. والآن يحتفظ بعلبة ظاهرة يحملها معه بكل فخر في كل الأوقات.”أحب أن أمشي وأنا أحملها في يدي لأني أستطيع الآن أن أحملها”، يقول، مفتخرا بأنه يستطيع مسك السيجارة بين أصابع يده.
في بيت مجاور زرناه، دخل شاب يحمل علبة كبيرة من نفس نوع السجائر التي لدى صالح. بدوره حكى كيف كان يجمع المال مع أربعة أو خمسة من أصدقائه لتأمين ثمن السجائر. علبة كبيرة مثل التي بحوزته الآن كانت تبلغ ثمنا 100 دولار، ما يعادل، حسب هذا الشاب، أجر مقاتل من مقاتلي داعش.
خلال اليوم الذي قضيته بالمنطقة، حاورت ستة أشخاص قالوا إنهم دخنوا تحديا للمنع. الشاب صاحب علبة السجائر الكبيرة قال إنه كان يدخل لأنه مدمن، وأيضا لأنها طريقته في مقاومة “داعش”.

إرسال تعليق